ظلت قابعة في ذلك الركن من الدولاب لمدة طويلة جدا . كنت كل بضعة ايام اخرجها ارتب حولها بعناية ثم اخرجها من صندوقها المصنوع من الورق المقوى بني اللون اضعها فوق المنضدة انظر إليها باعجاب وانبهار. اتأمل تلك الانسيابية الموسيقية ولونها الداكن الغامض وطولها الفارع. رقة حاسمة مبهرة .. اعيدها مرة أخرة لصندوقها الفاخر الذي أبقاها بأمان عبر رحلة استغرقت مئات الاميال. انثر حولها الورق الملون واعيدها لركنها مرة أخرى واحرص على ان ابقيها مائلة كما قيل لي
قال لي صديقي حينما أتى بها بناء على طلبي بعد رحلة إلى أوروبا
Save it for a special occasion
وحرصت على تنفيذ نصيحته وقررت ألا أفتحها إلا في مناسبة خاصة جدا. وكنت اتذكر كلماته بدقة .." إنها من افضل أنواع النبيذ الاوروبي .. انها الافضل على الاطلاق ولذلك فهي باهظة الثمن. احرصي على ألا تخرجيها من صندوقها إلا عند فتحها حتى تبقى في الظلام .. لا تضعيها واقفة مثل المصريين .. فهم لحماقتهم يخزنون زجاجات النبيذ واقفة فيفسدون طعمها .. فقط افتحيها في مناسبة خاصة جدا".ه
كنت قد قررت أن أطلب منه ان يشتري لي زجاجة نبيذ فاخرة للاحتفاظ بها لمناسبة خاصة. فللنبيذ حميمية ورونق خاص ليست كأنواع الخمر الاخرى ولا تصلح إلا لطعام فاخر او وليمة او عشاء رومانسي او احتفال
لم اعرف وقتها ما هي تلك المناسبة ولكن دائما ما كنت اؤمن ان هناك مناسبة خاصة جدا في انتظاري تستدعي الاحتفال بزجاجة نبيذ أنيقة تضيف رقيا خاصا على الاحتفال. كنت دائما في انتظار مناسبة خاصة .. احتفظ بكل شيء حتى موعدها. كنت موقنة وقتها انه ينبغي على المرء ان ينتظر ويؤجل البهجة حتى يحظى بها كاملة. كما يقول المثل الانجليزي Save the best for last لذلك لابد وان هناك (نهاية) سعيدة حيث يحل وقت الاحتفال والذي لابد وان يشهد زجاجة نبيذ فاخرة وربما حلوى وموسيقى رقيقة واضاءة مبهرة او خافتة ووجه واحد او وجوه عدة .. سيكتمل المشهد لاحقا.. فقط كانت زجاجة النبيذ الفاخر هي العنصر الاكثر وضوحا في مشهد الحفلة الختامي.
مرت أعوام وهي مازالت في ذلك الركن .. كلما مرت مناسبة ما .. عيد ميلادي .. سهرة اسرية خاصة .. نجاح جديد.. عمل آخر .. انجاز ما .. مولود جديد .. عودة غائب من السفر .. اول كلمة "بحبك" .. كلها مرت .. وفي كل مرة افكر في ان افتحها ولكني اؤجل الاحتفال الخاص لمناسبة خاصة .. خاصة جدا .. فكلها مرت دون ان يكتمل المشهد .. فالانتظر إذا .. فهناك مناسبة خاصة مقبلة .. خاصة جدا .. فالاؤجلها إذا
مرت عدة أعوام .. وكلما شعرت بضيق افتح الدولاب اخرجها من صندوقها المصنوع من الورق المقوى .. انظر إليها لاقول لنفسي ذاك اليوم آت .. هانت .. سننفض تراب الايام المؤلمة قريبا.
وهكذا بقت .. وربما نسيتها .. وبالامس فقط انتبهت إليها .. كان الجو باردا جدا وكنت وحدي اشاهد فيلما مملا على قناة إم بي سي2 وارتدي بيجامتي القديمة التي بلي لونها قليلا وكانت أمي ترغب في ان ترميها ولكني رفضت كعادتي للتمسك بالاشياء القديمة. أخرجتها والقيت بالصندوق الورقي على الارض واخرجت كأسا قديما من المطبخ وشربت نصف الزجاجة.
شعرت ببعض الحرارة ولم يذهب احساس البرد. تركت الزجاجة فوق الطاولة والكأس على الارض.. وضعت غطاءا آخر ونمت ...