Sunday, October 28, 2007

أقرب لحقيقة (رقم45)


اتصل به احد اصدقاءه"أهلا زياد "ن
أنا آسف ولكن ابن عمك سعيد مات اليوم"
"سعيد.. كيف مات؟"ه
"انفجرت سيارة مفخخة أثناء مرور حافلة نقل عامة في الشارع"
أغلق الخط دون تفكير وسارع بالاتصال باشقاءه علي وكارم وشريف ليقوموا بالاجراءات المناسبة
واتصل بشقيق ابن عمه والذي يعيش في بغداد أيضا

كان سعيد أقرب اصدقاءه تربيا معا وكانا يتشاجران كثيرا أثناء طفولتهما بسبب والدة زياد الشيعية
ولكنهما سرعان ما كانا يتصالحان ويذهبا معا للعب كرة القدم في ساحة خلف مسجد الامامين العسكريين
وكان سعيد يسمح لزياد بأن يجلس بجواره وهو يرسم القبة الذهبية الجميلة للمسجد
ويحرص زياد على ألا يتعرض أحد لسعيد أو يسخر منه لانه السني الوحيد في الفريق

ترك زياد زوجته التي تزوجها قبل 5 اشهر بدون حفل زفاف
بعد أن قررا ألا يقيما حفل بعد التفجير الذي وقع أثناء حفل زفاف حسين زميله في العمل والذي أودى بحياة 20 شخصا من حضور الحفل فآثرا فرحة صامتة مضمونة بدلا من كارثة صاخبة محتملة

استقل زياد الحافلة العامة وتوجه إلى مستشفى عام في منطقة الكراده حيث المشرحة العامة
كان كثير من الركاب يثرثرون عن طبيعة الأحوال والمعارك الدائرة في البلاد والامريكان والزعيم الصدر وصدام الذي راح
بينما كان زياد شارد يمسك في يده سبحة قانية اللون كان سعيد اعطاها إياه في عيد ميلاده الماضي
فقد اهدى سعيد سبحا قانية لزياد صديقه واشقاءه خرزها أحمر قان وفي نهايتها تدلت حروف فضية تشابكت بكلمتي الله العراق

وصل زياد إلى المشرحة .. وسأل بعض العاملين عن سعيد أو "جثمان سعيد" على الأصح
فأشار أحدهم بدون اهتمام لمؤخرة المبنى عند نهاية سور
كان يحيط بما كانت قديما حديقة اما الآن فصارت مجرد مساحة جرداء من التراب يتحول طينا ان أمطرت
فلم ينتبه سعيد .. ربما لانه توقع اهتماما أو احتراما اكثر من ذلك لحرمة الموت ومصابه الأليم

ولكنه لم يدرك بعد أن الموت حادث عرضي عادي في أرض العراق وان "جثة أخرى" أو "رقم جديد" ليس حادثا جللا يستحق الاهتمام فأعاد السؤال على العامل ..فأشار له لنفس الاتجاه دون حتى تحويل بصره عما كان منشغل به
وقال له (رقم 45)ه
وسار زياد إلى خلف المبنى حتى وصل بجوار السور حيث بضع شجيرات ميتة وعدد لا بأس به من الجثث بجواره نائحون وباكون بدوا في اللون الأسود كصورة مكررة تم نسخها ولصقها بضع مرات على الأرض

وبجوار السور رأى زياد تلك القماشة البيضاء المتربة تغطيها بطانية صفراء باهتة تغتالها مساحات حمراء من الدم وضع عليها علامة بالقار الأسود (45). فاقترب زياد من العلامة السوداء وهو يعلم ان كل خطوة يخطوها هوة يلقي بها عمره الماضي
وبيديه رفع قطعة من القماش ليكشف عن وجه لم يعرفه للوهلة الأولى..ه
فلم يرى سوى وجه الموت الجاسم فوق وجه سعيد
كمن يرتدي قناعا سخيفا في عيد لن تحتفل به العراق لوقت بعيد

فراح بيديه يمسح وجه سعيد المسجى أمامه عله يزيح عنه القناع المخيف
تذكر زياد كيف كان يحب سعيد ارتداء الأقنعة السخيفة للوحوش والغيلان في ليالي رأس السنة الميلادية

ولكن اليوم لم ينخلع القناع .. ولم يرحل وجه الموت الجاسم على القلوب قبل الوجوه .. فوق ملامح الأحياء الموتى قبل الموتى
ظل زياد جالس بجوار سعيد لساعات لم يدرك حسابها .. يحمل وجهه بين يديه ..ه

تماما كما كان يفعل وسعيدا وهما صغيرين حينما كانا يلعبا (الغميظة) كما يسميها أهل العراق ..
فيختبئ أحدهما ويبحث عنه الآخر .ه
ولكن اليوم احدهما يهرب من وجه الموت في وجه الآخر

وبمغيب الشمس .. صار لزاما ترك ساحة الموتى لقادمين آخرين
وطلب إلى زياد العودة في اليوم المقبل حاملا أوراق ثبوتية لاستلام (الجثة رقم 45)ه
وعلى باب ساحة الموت كان القادمون في الطريق
ناقلة أخرى تعبر بالموتى من جانب لآخر ..كانوا تلك المرة ضحايا تفجير استهدف دورية عسكرية أمريكية
وآخر في انفجار قنبلة على جانب الطريق
وآخر في حادث تبادل لإطلاق نار بين قوات أمريكية ومسلحين
ولكن لضيق الوقت وقلة العربات .. أخرجت السلطات ثلاث عربات لجمع الجثث من الطريق وحتى مشرحة مستشفى الكرادة

ومن احدى العربات تدلت يد تعلقت بها
سبحة خرزها أحمر قان وفي نهايتها تدلت حروف فضية بكلمتي الله العراق كساها لون أحمر آخر

فتجمد زياد بلا حراك
لم يكشف عن وجه الجثة تلك المرة ..
ولا وجها جثتين آخريين وضعا معها
كان يعرف الوجه الذي سيكشف عنه مسبقا
حتى انه لم ينتبه لقول احد العاملين لاخر
ضع هؤلاء معا ارقام 75و 76 و77 فهم كما أبلغونا اشقاء كانوا في سيارة واحدة

تراجع زياد بخطوات هادئة وارتكن إلى حائط ساحة الموت

وجلس على بابها ..ه

منذ أكثر من عامين

لم يبرح زياد ذلك الباب

يستقبل وجها واحدا مألوفا ..ويودع الاحباء كل ساعة

13 comments:

Alexandrian far away said...

مساء الخير
معلش أنا ما وصلنيش الموضوع

bluestone said...

Alexandrian far awAY:
مفيش موضوع
دي حقيقة
وبتحصل كل يوم

احيانا بننسى لما الموتى بيتحولوا ارقام
ان ورا كل رقم قصة
وان وراء السياسة والتحليل والتخطيط
بني آدمين... محدش شايفهم بجد

a Dreamer with feet on the Floor said...

...what I read makes me so sad...why should Death B the only winner,,,why we give up Hopes , smiles and Love...2 B engaged in such Brutal events,,,why Can not we B tolerant towardes our neighbours and our associates in the Home land...
I wish all that madness will end some day ,still ..all those Victemes ,,should never B seen as Numbers///as each has a story...a family....and loveres..

all we need naw..is 2 re-learn how 2 love and tolerate..
we all waiting 4 the next sun shine , hopefully will not take so long..
wait 2 communicate
landofy@yahoo.com

dead man said...

كنا لسه بنتكلم في اجتماع من كام يوم عن الناس لما بتتحول لأرقام.. بيقل الأحساس بيهم .. بمعاناتهم بمشاكلهم .. بدل ما يقولوا استشهد علي ومحمد يقولوا استشهد اثنان ..

تجويل البشر لمجرد ارقام بينزع عنهم الانسانية
----------------
وبمغيب الشمس .. صار لزاما ترك ساحة الموتى لقادمين آخرين

الحتة دى حلوة اوى

Searcher said...

تبدو القصة شديدة القرب من الواقع و لهذا فقد لمست أجزاء بداخلنا بمنتهى السهولة
فى الكثير من الأماكن قد يموت المئات بل الآلاف فى سبيل قضية معينة و على أمل بزوغ فجر جديد و لكن الوضع فى العراق مختلف فلا يوجد من يدرك لماذا يموت و تبدو شمس اليوم الجديد بعيدة جداً و ليست على مقربة من الظهور
بالمناسبة فقدت اليوم أحد معارفى فلسطينى الجنسية هرب بحياته مما يحدث بفلسطين و لكن الموت لم يمهله كثيراً فيبدو إنه كان مقدراً له الموت قبل بلوغه عامه الخامس و الثلاثين بغض النظر عن الأرض التى يسكنها

karakib said...

سمعتك كذا مرة و انت بتتكلمي عن موضوع الارقام ده
بس ما كنتش فاهم انه الموضوع مؤلم اوي كده
نجحتي انك توصلي الفكرة بدرجة امتياز يا بلوستون

Mirage said...

ياسلام

طيب مالأمريكان ياما بيبقوا فى المطارات مستنيين جثث ولادهم وشبابهم برضه

هو إيه اصله ده ؟

Anonymous said...

يا اللــــــــه

وفى نهاية المطاف
صار الأحبة مجرد أرقام
نتلقاها على باب المشرحة
المقر الرسمى للموت

تحول الانسان وحياته التى كرمها الخالق سبحانه وجعل اهدارها من المحرمات والحدود

إلى مجرد رقم

ومع الوقت لم يعد للموت هيبة ولا سطوة كما كان سابقا
لم يعد للموت اى اعتبار فى النفوس
ولا خوف
ولا حتى صارت منه العبرة

=========
ميراج

دعنى أختلف معك
فالأمريكان هم من اختاروا أن يستقبلوا ضحاياهم فى المطار كل يوم
طالما رضوا باحتلال أرض أخرى وبجنودهم
مفيش حلاوة من غير نار يا عزيزى

العراقيون مدافعون عن أرضهم ضد حجافل الأمريكان
فهل هناك كفاح بغير ضحايا؟؟


أما كفاح العراقيين المزعوم ضد بعضهم البعض
سنة وشيعة
وشيعة وسنة ضد الفلسطينيين وعرب المهجر
وسنة وشيعة ضد مسيحيي العراق

فلا سبيل لوصفه الا بالمهزلة
والعار فى جبين من ينتمى لمثل هذه صنوف
الصنوف العربية


تحياتى

ibn nasser - ابن ناصر said...

مبروك حبس الظابط اسلام نبية لمعرفة اكثر
http://ibnasser.blogspot.com

lastknight said...

اخترق المقاطعه لأقول .. آلمتينى بعمق .. شكرا

Desert cat said...

عندما يتحول الاموات الى ارقام
فهذا ارحم من يتحول الاحياء الى لا شئ
راضيين بالذل وعايشين راضيين بالاهانة وساكتين
تحياتى

bluestone said...

ميراج:
الفكرة مش في الامريكاني والعراقي ولا الطالياني حتى
البني آدمين ... هما أساس الوجع

ثم انه الامريكيين في بلادهم لم يقتحمها عليهم احد .. هم اقتحموا ابواب العراق .. فلم يعد هناك مهرب لأهل العراق .. اما الامريكيين فيملكون الخيار دائما
===================================

شـــــهــــروزة:
سيدة المعارك ومثيرة الشغب اللذيذ
يا اهلا

حينما تتحول الحياة التي كرمها الله إلى رقم بلا قيمة ... فهناك إذن خلل .. ايا كانت الاسباب اقتصادية عسكرية طائفية عقائدية دينية عرقية .. ايا كانت الاسباب فالكل مخطئ والكل مجرم والكل خاسر

تحياتي

bluestone said...

الفارس الأخير:
يسعدني اختراق المقاطعة .. ومرحبا بك
وتقبل اعتذاري على إيلامك
=============================
قطة الصحراء:
حينما يتحول الانسان لرقم وتصير حياته بلا قيمة .. فلا شيء يهم على الاطلاق