جسده النحيل مسجى على الأرض نصفه على الرصيف والنصف الآخر في الشارع .. بينما بروز جدار الرصيف الأسود يطعن ضلعه في وضعية شديدة الألم .. يرقد هو بلا حراك بينما تحلق المارة حوله بين متفرج ومشاهد !!
تناثرت بعض متعلقاته .. حذاؤه الرث المهترئ أصلا، التصقت فردة بقدمه والأخرى في منتصف الشارع، سلسلة مفاتيح، وبعض الاوراق وجنيهات معدنية، بينما بقيت دراجته البخارية ذات الصندوق الذي كتب عليه (كوك دور دليفري) ملقاة بلا اهتمام تعوق نهر الطريق .. الذي أصيب بالشلل الجزئي قرب الشاب الملقى في الشارع
يمر العابرون ويتوقف اصحاب السيارات من آن لآخر يستفسرون ماذا حدث في فضول نهم، يتناقشون في التفاصيل .. ويرحلون. بينما وقف بجواره نحو 5 اشخاص بعضهم ينادي عليه بعبارات مثل شد حيلك، قوم بقى وخليك كويس واستجدع .. وآخرين وقفوا ..
فقط وقفوا هناك بلا حراك .... ومازال الجسد الملقى بلا حياة
تتوقف سيارة أخرى .. يخرج منها رجل وطفلين.. يصرخ الرجل في طفليه للعودة للسيارة بينما يتوجه الرجل للجمع الواقف حول الجسد الملقى .. يستفسر .. تخرج عبارات مثل (اللي خبطته طلعت تجري، محدش لحق ياخد نمرتها، منهم لله) إلخ ..
تمر دقائق .. يتجول الرجل حول الجسد الملقى ويتفحصه .. ويجر قدميه ويترجل ببطئ نحو سيارته .. يدير المحرك ........ ويرحل.. هكذا .. كالآخرين
سيارة أخرى .. شابين هذه المرة يتوقفان .. يتفحصان الجسد ويسمعان القصة .. يستخدم احدهم هاتفه .. (الاسعاف مش بيرد)
(معلش حاول تاني .. بقالنا نص ساعة بنحاول نكلم الاسعاف .. نمرة الاسعاف مش بترد)
(يعني مش بترد؟ فيه اسعاف مش بيرد؟؟؟؟؟؟)
(آه هنعمل ايه عادي .. ممكن يكون محدش سامع التليفون !!!!!!!!!!!!)
يظن الشابين انهما فعلا ما استطاعا .. فيركبا سيارتهما ويرحلا ايضا ..
واخيرا الجسد الملقى يتحرك ببطئ .. وبألم شديد .. يصرخ الشاب من الألم ... يأتي ضابط أمن برتبة صغيرة من أحد حراس المنشآت العسكرية القريبة .. يتابع الموقف .. ثم يحاول الحديث مع الشاب .. وفي اثناء ذلك يحاول ان يساعده على الحركة لربما تمكنوا من نقله لمستشفى قريب .... يصرخ صديقي فيهم محذرا إياهم من محاولة ان يحركه أحدهم .. لخطورة ذلك على حياته .. فلا أحد يعلم ماذا حدث .. يقف الضابط بلا حيلة كالآخرين
يمر الوقت والعابرون .. يتوقفون ويرحلون .. ويبدأ الجميع ممن بقوا لنهاية القصة في التوتر .. بحثا عن حل او ربما فقط فضولا في معرفة النهاية .. فقد يبقى الشاب هنا لساعات بلا مساعدة أو نجدة !! الاسعاف لا يرد .. !! لا مجيب
تحركت وصديقي للمنشأة العسكرية القريبة وكانت منشأة طبية .. تحدثنا مع العساكر الحارسين .. الذين ابدوا فضولا فقط بلا اهتمام .. طلبنا منهم فتح الباب لادخال المصاب إلى المكان كحل أخير قبل ان يموت. فالاسعاف لن تأتي ..
رفض العساكر الاستجابة لنا .. فصرخنا فيهم وطلبنا التحدث لأي ضابط مسؤول ....
كان من الصعب ان نقبل ان يموت إنسان على باب مستشفى .. حتى لو كانت مستشفى عسكري وحتى لو كنا في مصر !!!!!!!!!!!!!!!!
ومع إصرارنا .. اضطر العسكري الذي بدى كتمثال شمع غير مبال بأي شيء للاتصال بالضابظ المسؤول فقط ليتخلص منا
ابتعدنا عن السور .. وعدنا للجسد الملقى على الارض، بينما زاد ألامه وبدأ صوته يؤلم المحيطين ايضا ..
بعد نحو 5 دقائق خرجت سيارة إسعاف تحمل لوحة معدنية كتب عليها (الجيش) من المنشأة العسكرية التي تبعد خطوات .. توقفت خرج منها شابين برتبتين مختلفتين .. احدهما رتبة أكبر من الآخر .. حملا المسكين بعناية على نقالة وأدخلاه المستشفى .. حيث قد تكتب له فرصة ما في النجاة في وطن صارت النطاعة فيه طبيعة البشر
رحلت وصديقي وانا افكر في ثمني ؟
كم يبلغ ثمني ؟
وما هي فرص ان اكون تالية ؟؟
ما هي احتمالات ان اكون الجسد التالي الملقى على طريق ما ...
وما هي فرص تواجدي بقرب منشأة عسكرية يكون ضابطها له قلب إنسان ؟؟؟؟؟؟؟
6 comments:
وجعتى قلبى
لم يعد درس السامرى الصالح صالح للتطبيق
يا كاندي
في بلدنا مابقاش فيه اي دروس صالحة للتطبيق !
وجعتى قلبى
ربنا يسترها
يمكن احنا موجوعين ، لكننا مش ميتين و نقاوم و سنستمر في المقاومة و سياتي يوم يغرب الظلم و ينفجر عهد جديد
لسة في امل وو لسة الدرس صالح للي عايز يتعلم
انا كاتبة مدونة عايزة اخس
http://back2evans.blogspot.com/
مارياااااااااااااان
أنتى فين ؟؟؟؟؟؟؟؟
توقعت أنك أول واحد هاتفقعى زعروطة فى الأحداث دى ...
أفتكرت وأفتكرت احباطك المبرر ... أنتى فييييييييين ؟؟؟؟؟
نص مؤلم من الواقع الأكثر إيلاماً
ويبقى السؤال: كم ثمني في هذا الوطن؟
Post a Comment