كان من المفترض ان اضع تدوينة مختلفة تماما
فالليلة رأس السنة وعادة ما ينحصر تفكير المرء في البداية الجديدة وحساب النفس وتقييم انجازات واخفاقات
عام مضى ورسم قرارات عام مقبل
ولكن لاني اتجنب تلك الجلسة المطولة مع نفسي حاليا ,, تجنبا للاكتئاب في ليلة مثل هذه
ولان الضرورة تقضي بتناول الشأن الاكثر إثارة للجدل حاليا والذي شغل مساحة كبيرة من تفكيري في الايام الماضية وهو اعدام الرئيس العراقي السابق او المخلوع صدام حسين
وذلك اللغز المحير الكامن في الشعوب العربية ....ةتناقشنا كثيرا في مسألة اعدام الرجل وكونه الطاغية الذي كانه .
والاضرار الفادحة التي ألحقها بشعبه والمنطقة بأسرها بعد أن خرب دولة كان مقدر لها ان تكون من اكبر دول العالم واكثرها ثراء ..ه
وبعد اعدامه اختلفت وتباينت ردود الفعل تجاه الرجل وتاريخه ما بين من اعتبره شهيد الامة ودعا له بجنة الخلد وبين من اعتبره طاغية عصره واكد ان مصيره مثل كل الطغاة ...مزبلة التاريخ
ما اود قوله حقا انه في عالم السياسة القذر لا يوجد ابيض ولا اسود ..لقد ولدت السياسة في تلك المنطقة الرمادية
ففي السياسة لا يوجد ملائكة وشياطين ...بل خليط خطير من الاثنين
وفكرت في عرض بعض المحطات التي مر بها صدام حسين منذ ميلاده وحتى الغزو الامريكي واترك الحكم لمن يقرأ ..بعيدا عن الاحكام المطلقة
فقط اشير الي بعض الاستنتاجات الخاصة:
-لاشك انه كان يحكم العراق بقبضة من حديد لا تلين .. لم يتعامل برحمة مع خصومه في تطبيق شابه الكثير من العنف والمبالغة لنموذج الحكومات العربية .. والذي يطبقه الكثيرون بهامش من المرونة وبقليل من العنف عما كان يطبقه صدام .. والنماذج لا تحتاج لتحليل من النظام البوليسي التونسي مرورا بالعزبة الليبية والمؤبد المصري والمملكة السورية وغيرهم وغيرهم
إذن فالرجل لم يكن مختلفا بالقدر الكبير فيما يختص والخطوط العريضة للسياسة الديكتاتورية التي تقوم اساسا على قمع الحريات ووأد الاحزاب والقضاء على كل صور المعارضة ايا كان شكلها
بينما اختلف صدام فيما اعتقد في التطبيق .. حيث اتسم تطبيقه للسياسة العربية الاصيلة بالكثير من العنف والدموية
ذلك التطبيق بحسب رأيي كان له أسبابه ايضا ..ه
اولا: طبيعة الشعب العراقي الصلبة العنيدة حتى اطلق عليهم شعب من الجبابرة .. يصعب بل يستحيل السيطرة عليهم .. والولايات المتحدة بكل امكانياتها وقوتها تعاني من جبروت العراقيين اليوم.ه
ثانيا: ان وحدة العراق كدولة كانت قائمة على القوة حيث انها دولة مؤلفة من تيارات عديدة .. كل هذا كان يتطلب إما قدرا كبيرا من القوة أو قدرا كبيرا من الحرية والديموقراطية كان من الممكن ان تحول العراق إلى أمريكا الشرق الاوسط من حيث الديموقراطية واتساعها لكل الاجناس والاديان ...ه
كان الحل الاول هو الاسهل والاوحد امام صدام وبعثه (وهو الحل المطبق على نطاق اضيق وبهامش مرونة اكبر في بعث سورية على يد الاسد الكبير والصغير)ه
بداية طفولة مضطربة:
عانت والدته من اكتئاب حاد بعد وفاة شقيقه الاكبر بالسرطان عن عمر يناهز 13 عاما بينما كانت في شهور الحمل الاخيرة في صدام. واختفى والده قبل ستة أشهر من ميلاده. وانضم للبعث على يد عمه الذي كان له اكبر الاثر على حياته وتزوج ابنته فيما بعد (ساجدة خير الله)
علاقات قوية مبكرة:
وبدأت علاقته بالمخابرات المصرية والامريكية مبكرا بعد عام واحد من انضمامه لحزب البعث بعد قيام انقلاب ضد فيصل الثاني وتورطه في محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم زعيم الضباط الذين قاموا بالانقلاب بدعم من الحكومة الامريكية.ه
واصيب في قدمه وتمكن من الهرب والاختباء في تكريت بمساعدة ضباط المخابرات المصرية والامريكية ومن تكريت إلى دمشق ثم بيروت ثم القاهرة.ه
وكانت محاولة اغتيال قاسم ثم المساعدات الامريكية لحزب البعث سببها تنامي المخاوف الامريكية من تزايد الروابط بين قاسم والشيوعيين
وبمساعدة أمريكية ومعاونة من ضباط جيش بالعراق نظم البعث انقلابا على قاسم في عام 1963 وتولى زعيم البعث عبد السلام عارف رئاسة البلاد. والذي انقلب على الحزب فيما بعد واعتقل قادته.ه
-وعاد صدام إلى العراق واعتقل في عام 1964 وهرب من السجن واصبح من كبار قادة الحزب. وفي عام 1968 شارك في انقلاب ابيض نظمه احمد حسن البكر لاسقاط الرئيس عبد الرحمن عارف (شقيق عبد السلام عارف الذي قتل في حادث طائرة وتولى مكانه)ه
-سلطة مطلقة خلف الستائر ونجاح
واصبح البكر رئيسا للبلاد وصدام نائبا ولكنه كان الحاكم الفعلي للبلاد. واستلم صدام تركة منقسمة بالفعل سنة ضد شيعة واكراد ضد عرب وتجار ضد زعماء عشائر وعوائل وحضريون ضد فلاحين
وحقق صدام بنجاح المعادلة الصعبة بالحصول على تأييد اغلب الفصائل العراقية بعد الاصلاحات الكبيرة التي ادخلها على الاقتصاد العراقي مما كان له اكبر الاثر على مستوى معيشة العراقيين .ه
- واصبح العراق من افضل الدول العربية التي تميزت بأعلى مستوى للمعيشة في المنطقة خاصة بعد ارتفاع اسعار النفط بعد حرب 1973 ..كانت اول دولة تطبق حملة للقضاءعلى الامية والتعليم المجاني على مستويات عالمية بالاضافة لخدمات التأمين الصحي المجانية للجميع والتي كانت هي الاخرى على اعلى مستوى مما دفع بمنظمة اليونسكو منح صدام جائزة دولية .. مما جعل العراق محط انظار كل شعوب المنطقة وقبلةيتوجه إليها كل راغب في النجاح والعمل والكسب بينما على جانب آخر كان يعمل وبقوة على تكوين كيان أمني قوي صلب يمكنه حمايته ضد الانقلابات التي اصبحت سمة غالبة على البلاد. كل هذا ولم يصبح رئيسا للبلاد بعد
فوق المقعد الذهبي:ه
وفي عام 1979 سعى رئيس البلاد البقر إلى ابرام وحدة مع سوريا يصبح هو على إثرها رئيسا وحافظ الاسد نائبا له مما هدد نفوذ وقوة صدام مما دفعه بإجبار البكر على الاستقالة وتولى هو رئاسة البلاد
-وبدأت مسيرة القوة في حياة صدام .. بعد تولي رئاسة البلاد مباشرة وفي اجتماع للحزب تلا عليهم اكثر من 60 اسما من الحاضرين والذين اعتقلوا على الفور وحوكموا واعدموا بتهمة الخيانة في بادرة لاظهار قوته وسيطرته على مقدرات الامور.. واستمر الاصلاح ومنح حقوق واسعة للنساء في عهده
-وخلال تلك الفترة لم يقض مضاجع صدام سوى معارضة الشيعة الدائمة لحكمه خاصة بعد قيام الثورة الايرانية في عام 1979 بالاضافة لمعارضة الاكراد (وهم سنة وليسوا عرب) لميل البعثيين لمبادئ العروبة
ولمواجهة تلك الاخطار كان لابد من وجود اكثر من جهاز امني للسيطرة فتأسس جيش الشعب (وهي قوات موالية للبعث)لتوازن القوى أمام الجيش لتفادي اي انقلاب .. بالاضافة لجهاز المخابرات العراقية الشهير بقيادة برزان التكريتي
وبنجاح تمكن صدام من تطبيق سياسة العصى والجزرة .. اجهزة امنية قوية تراقب بعضها بعضا واصلاحات حقيقية بينما صوره تملأ اركان العراق وروج لصورته كمسلم متدين وزعيم معاصر. وفي الثمانينات بدأ صدام اول مشروع عربي لتخصيب اليورانيوم بمساعدة فرنسية
بالاضافة لمحاولات دائمة بالتحكم في مقاليد الامور في المنطقة حيث كان يرى في نفسه زعيما للامة العربية وكانت لديه كل مقومات الزعامة الاقليمية من امكانيات مادية وجغرافية واستخباراتية فجند مثلا آليات إعلامية كثيرة في العديد من الدول العربية لصالحه .. كما طبق حظرا اعلاميا حصينا على العراق
ونجح في تطبيق ديكتاتورية مثالية قائمة على استغلال الدين والقوة وسياسة القطيع التي تعيش بها الدول العربية اعتمادا على القائد الاب الرئيس الزعيم ولي النعم صاحب الدولة خليفة امير المؤمنين
الحماقة العراقية الايرانية:ه
وفي عام 1957 وقع صدام اتفاقية مع إيران اعلن الشاه محمد رضا بهلوي بموجبها وقف دعمه للاكراد وتولى صدام مواجهةالانفصاليين الاكراد في الشمال في اشتباكات عنيفة تخللها قصف عراقي لقرى كردية في إيران مما ادى لتوتر العلاقات العراقيةالايرانية
ومع قيام الثورة الاسلامية في ايران في 1979 ووصول آية الله روح الله الخميني للحكم نمى النفوذ الشيعي في المنطقة وبعد ان كان صدام يخشى تأييد الايرانيين للاكراد اصبح يخشى تأييد الايرانيين للشيعة
وكان الخلاف على شط العرب ذريعة لتصفية خلافات شخصية وسياسية بين صدام والخميني
وفي سبتمبر 1980 وبتأييد عربي واسع معنويا ولوجستيا اقتحم صدام إيران واحتل اجزاء واسعة منها .. ولكنها كانت حربا خاسرة بالنسبة للعراقيين بينما لجأ صدام لاستشارة وزراءه لحل للانسحاب من إيران وانهاء الحرب واقترح وزير الصحة آنذاك رياض ابراهيم على صدام ان يتنحى مؤقتا للدفع بمفاوضات السلام مع رئيس جديد ..وكان ثمن النصيحة ان سلمت جثة ابراهيم مقطعة لزوجته
وخاض العراق واحدة من اطول واعنف الحروب استخدم صدام خلالها الاسلحة الكيماوية ضد القوات الايرانية والانفصاليين الاكراد .. وكانت حلبجة وغاز الاعصاب والخردل و5 آلاف قتيل ومئة ألف مشوه في حملة الانفال للسيطرة على الاكراد(ونشير هنا إلى ان نظام صدام قال إن النظام الايراني هو المسؤول عن كارثة حلبجة وليس العراق وكانت امريكا كانت تؤيد ذلك الادعاء حتى مطلع التسعينات)ه
-وكسب صدام تأييد الاتحاد السوفيتي وفرنسا وامريكا بعد مخاوف من نمو النفوذ الايراني في حرب استمرت 8 اعوام وخلفت 1.7 مليون قتيل وسعى صدام مرة اخرى لاقتراض المال لاعادة بناء العراق مما كان له اكبر الاثر في نفسه بسبب سعيه للاقتراض والشحاذة بعدما كان يسعى ليكون اكبر زعيم عربي في المنقطة
الخلاف العربي/العربي (الفرس وأمراء الزيت):ه
بعزة وكبرياء معهود رأى صدام انه يتعين على دول الخليج ان تدفع فاتورة حربه مع إيران لان العراق خاض هذه الحرب لحماية العرب ودول الخليج خاصة من نفوذ وسيطرة الايرانيين او الفرس كما كان يسميهم
ولكن الجارة الثرية (الكويت) رفضت دفع فاتورتها كما رفضت طلبه برفع اسعار النفط بخفض الانتاج لمساعدته
وبدأت المناوشات الصدامية على الحدود الكويتية .. والتي ردت عليها الكويت بمزيد من استخراج النفط من المناطق المتنازع عليها .. وتقارير ووعود امريكية (في اجتماع بين صدام والسفير الامريكي في العراق آنذاك ابريل جلاسبي في يوليو 1990 ) بعدم التدخل
كان غزو الكويت بالاضافة لمليارات من الدولارات تدفقت من واشطن لبغداد لمنعها من التحالف مع السوفيت
-ولكن الخوف من زحف صدام او انتقامه من السعودية (الحليف القوي لامريكا) بالاضافة لتحسن طفيف في العلاقات الامريكية السوفيتية دفع باصدار قرار من مجلس الامن يمنح صدام تحذيرا بمغادرة الكويت وبشكل مفاجئ ارسلت دول مختلفة مثل مصر وسوريا وتشيكوسولفاكيا الملايين من الجنود على الحدود بين الكويت والسعوديةوبين الكويت والعراق لتطويق الجيش العراقي
وبدأ صدام في التخبط بعد ان فوجئ بالموقف العربي ضده وتخلي الامريكيين عنه .. فاعلن استعداده لسحب قواته من الكويت اذا انسحبت اسرائيل من الاراضي الفلسطينية ومرتفعات الجولان مما احدث انقساما في الصف العربي
-ولم يتخيل صدام في لحظة ان مجلس الامن قد ينفذ قراراته بدعم امريكي لقصف العراقوانتهت حرب الكويت كما نعلم جميعا بتدخل امريكي بريطاني وطرد صدام من الكويت ومطاردته حتى جنوب العراق ثم امره بحرق النفط الكويتي
وبدأ الانهيار الفعلي للعراق مع التدهور نتيجة الحصار الاقتصادي بدأت الانقسامات ثم ثورة فاشلة في 1991 تخلف 30 ألف قتيل بعد ان قامت بتشجيع شفوي امريكي دون مساعدة واشنطن للمتمردين العراقيين بل انها رفعت حظرا فرضته على الطيران العراقي في مناطق في العراق مما سمح لصدام بسحق المقاومة وفي تلك الفترة احكم صدام سيطرته على العراق بمزيد من القمع في ظل الحصار .. بينما استمرت اتهامات واشنطن له بتطوير اسلحة دمار شامل (يجدر الاشارة هنا إلى الدعم الامريكي للعراق بالمال والاسلحة سابقا ..لذلك كانت واشنطن تعي جيدا امتلاك صدام لهذه الاسلحة)ه
وبدأ صدام في السعي لتكوين علاقات او روابط مع الجماعات المسلحة في الدول العربية وابرزها في الاراضي الفلسطيينة ولكن تلك التقارير لم تؤكد ابدا
ثم كان الغزو بعد الهوس الذي اصاب امريكا في اعقاب هجمات 11 سبتمبر ورأت واشنطن في العراق وافغانستان ملاعبا خصبة ومناسبة لقتال الجماعات المسلحة المناهضة لها المتمثلة في القاعدة ليكون اللعب في اراض محايدة بعيدا عن الاراضي الامريكية
--------------------------------------
ملاحظات:ه
تمت الاستعانة بمصادر عالمية مخلتفة بعضها اخباري
ماورد اعلاه من تفاصيل هي التاريخ المعلن اما التاريخ غير المكتوب والذي يحمل الكثير من تفسير بعض الامور المعلنة والتي تبدو غير مفهومة فهو تاريخ لا يعلمه إلا الله والمخابرات العربية والعراقية والامريكية