مشاهدات وتسجيلات المرة الاولى ... المحاولة البكر
نزاع ما قبل القرار ::::
-أثناء مروري على بعض المدونات عرفت بأمر المظاهرة .. مظاهرة تبدأ في ميدان روض الفرج من اجل الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية والتنديد بالعنف الطائفي .. ترددت كثيرا .. تربينا دائما على عدم جدوى التظاهر وانه بيودي ولا يجيب ..
-اتصلت بصديق من المدونين .. ودار بينا الحوار التالي ..
--ايوة يا بني سمعت عن المظاهرة عن الوحدة الوطنية ؟
--ايوة طبعا ونازل من اسكندرية مخصوص عشانها .. انت جاية؟؟
--هه؟؟ آه طبعا طبعا لازم آجي .. ماجيش إزاي ..
ودارت في رأسي افكار كثيرة .. ودار بيني وبيني الحوار التالي
انا ---(مظاهرة ؟؟ وانا عمري طلعت في مظاهرات ؟؟ طول عمرنا عارفين انها بلا جدوى ؟؟ وبعدين المظاهرات فيها مشاكل وحاجات كتير بتحصل والناس بتتبهدل خصوصا البنات خلينا في حالنا احسن .. يعني هنعمل ايه وهما اللي اتظاهروا كسبوا .. خلينا في حالنا؟؟)
وانا --- (في حالنا ايه يا حمارة؟؟ ما هو ده حالنا؟؟ البلد دي حالنا ؟؟ واللي بيحصل فيها حالنا والراجل اللي مات حالنا ؟؟؟ واللي عايزين يولوعها حالنا .. هو فيه حال اكتر من كده؟؟ وبعدين عيييييييب جدا الناس تروح تتظاهر عشانك وانت قاعدة تشجبي وتتضايقي وترفضي من بيتكوا .. لازم يبقى في حل .. )
انا--- يعني هو التظاهر حل؟؟
وانا--- لا طبعا بس اهو حاجة تتعمل والسلام.. فش غل .. تعبير عن رأي .. طيب نجرب .. يمكن فيه امل ..
انا --- طيب يبقى نروح وربنا يستر).
ساعات ما قبل الولادة:::
-استيقظت صباحا وتوجهت إلى عملي وعقلي شارد في موعد ما بعد الظهر ..
لا ادري لماذا كنت اشعر اني متوجهة إلى موعد غرامي ..
بكل ما يصحبه من قلق وتوتر وشوق وترقب .. حاجة غريبة جدا ..
- في الرابعة خرجت من مقر عملي وذهبت لمقابلة احد الاصدقاء من المدونين في محطة مصر وكان بصحبة مدون آخر صديق وتوجهنا ثلاثتنا نتحدث ونتسامر ونسخر من كم التخلف والتعصب الذي أصاب بلدنا وحرق قلبنا عليها ..)
-في تمام الخامسة كنا في الموقع المخصص للمظاهرة وكان مجموعة من الشباب يقف في قلب الميدان بينما يقف منظمو المظاهرة على احد جانبي الميدان ولم يتعد عددهم 10 أو 15 شخص بينما كان هناك وجود أمني مكثف اغلبه بالملابس المدنية في قلب المظاهرة.
-اشعر برهبة واضطراب .. هذه اول امرة اتواجد في قلب مظاهرة بل واشهد كيف تولد ...
-طلبت من صديقي ألا يفارقني لبعض الوقت حتى تألف عيني ابعاد الموقف بالكامل.
-حدثت بعض المشادات في البداية ولكن احد المنظمين سارع باحتواء الموقف وبدأ الهتاف ..
وبدأت المظاهرة. .....
---في قلب الوطن::::
-بعد دقائق قليلة بدأت اعتاد جو المظاهرة ..
-ولكني مازلت اقلب في وجوه من حولي .. وبدأت رادارات جسدي تعمل بطاقة زائدة لاني من هؤلاء الناس المصابين بفوبيا الزحام ..
-وبعد دقائق اخرى من التفرس في الوجوه من حولي غاب صديقي بين الزحام .. وتخلى عني من اجل عيون الوطن !! نظرت من حولي فلم اجد من اعرفه .. فحتى في عالم المدونين مازلت حديثة العهد لا يقرأ مدونتي سوى قليلون ممن قادهم حظهم بالصدفة البحتة .. كما ان منظر رجال الامن (الذين لم تخدعني ملابسهم المدنية وانا التي اتظاهر للمرة الاولى فاجسامهم ووجوههم المتجهمة تكشفهم) للحقيقة ارهبني بعض الشيء ...لم اكن اتخيل ثقافة الخوف التي تغلغلت داخلنا إلا حتى تلك اللحظة.
--المهم .. ايقنت ساعتها ان علي ان اعتمد على زراعي وبدأت رهبة اول تجربة تزول تدريجيا مع علو هتافات شعرت انها كانت محبوسة داخل حنجرتي منذ سنين.
-هاتفتني صديقة .. لم تتظاهر من قبل ولكنها ايضا شعرت بأنها كانت في حاجة لان تقول اي شيء .. ان تسجل رفضها باي صورة من الصور ..
-وبتلقائية تعانقت يدي بيدها تجمعنا رهبة التجربة الاولى ..
ولكن عدسات احد المصورين ادركت امرا آخر ..
فقد رأت فينا مثالا للوحدة .....
وفجأة ادركت اني كنت ارتدي صليبا وهي ترتدي حجابا على رأسها.
-(لن نتاجر باسم الدين) (مصر لكل المصريين) ووجدتني اردت بحماسة شديدة جدا ,, هل هذا انا؟؟؟ انا الشخص العاقل دائما الهادئ في اغلب الاحيان؟ ربما هذا انا وربما كان آخر بداخلي وربما آخر غيري وليد لحظة مذهلة...
لا اعلم ولكني وجدت نفسي سريعا .. كان اغلب من حولي يرددون اشياء لطالما تمنيت ان اصرخ بها ..
يا بلدنا / يا تكية / يا وسية/ باعوكي الحرامية ..
مصر لكل المصريين .. احنا مين احنا مين
احنا ولاد المصريين .. احنا ولاد الوطنيين
واللي يفرقنا يبقى خاين يبقى عميل
-وسرعان ما اعتدت الجو من حولي بل وتمكنت بسهولة من التعرف على العناصر الدخيلة التي تراقب المظاهرة من داخلها .. وقد اضحكني هذا جدا لانهم بالفعل زي ما بيطلعوا في الافلام !!!
- احزنني الاختلافات التي نشبت بين المتظاهرين المنتمين لمختلف الطوائف السياسية اقصد وليست الدينية .. فتارة يختلفون بل وكاد الامر يتطور لمشاجرة حينما ردد احدهم هتافا مناهضا للاخوان المسلمين (الفاشية ليها وجهين .. الحكومة والاخوان المسلمين) (لا الحكومة ولا الاخوان) .. وتارة يختلفون لان بعضهم اراد ان يوقف المظاهرة أثناء الاذان وهو ما رفضه آخرون .. كما رفض الكثير منهم هتافات اخرى مثل تلك المطالبة بالدولة المدنية. ولكن كلما يعلو صوت الخلاف يردد العقلاء (وحد صفك/ وحد صفك).
-شعرت بالكلمات تخرج من حنجرتي كما شعرت بحماس عجيب .. لا ادري اين كان كل هذا بداخلي .؟؟ لا اعلم ؟؟ ولكني لاول مرة منذ زمن طويل اشعر اني افعل شيئا لما اؤمن به؟؟ ليس كثيرا ولكني على الاقل افعل شيئا .. ربما كان هذا سر سعادتي .. اني اقول وبصوت عال بلا رهبة ما اؤمن به وما اريد للناس ان تعرفه .. لا اعلم ..
-رغم المشوار الطويل الذي قطعناه لم اشعر بالتعب إطلاقا .. لاول مرة في حياتي ارى كما هائل من الناس وكلهم يحبون بلدهم كل بطريقته الخاصة ولكن الكل يحبها بأمانة ..
لاول مرة في حياتي اشعر اني محاطة بكم كبير من الصدق
احساس غير عادي .. بل يكاد يكون سحري .. ان تحاط بهذا الكم من الصدق والحرية ..
-شهدت ايضا تعاطف الشارع العادي .. كانت نساء تزغرد من النوافذ وتلقينا كما كبيرا من التشجيع من المارة الذي دعا لنا بعضهم بالتوفيق وقالت لنا سيدة مسنة (ربنا يخليكم ويحافظ عليكم ايوة كده قولولهم) بينما رفض احد الباعة ان يحاسبنا على ثمن زجاجات المياه التي اشتريناها لولا اننا صممنا لانه كان يريد ان (يشارك باي شيء) وحينما سألني عن سبب المظاهرة
قلت ببساطة :(دي عشان الوحدة الوطنية والفتنة الطائفية)
فكان رده علي بمنتهى السرعة (فتنة طائفية ...؟؟ احنا معندناش فتنة طائفية. ده كلام فارغ)
قلت له: (ما انا عارفة واحنا عايزين نقول للناس كده) ,,
فقال الرجل بحكمة : (الناس عارفة بس الحكومة هي اللي ماتعرفش).
--واستمرت المظاهرة ووصلت حتى نادي القضاة .. ولم اتوحد كثيرا مع مساندة القضاة لاسباب شخصية .. فتوقفت عن الهتاف وادركني التعب ... فغادرت وبعض الاصدقاء وتركنا الاخرين الذين بدأوا يغادرون واحدا تلو الاخر .. ما عدا من قرروا المشاركة في اعتصام مساندة القضاة المستمر حتى الصباح.
----
----
مشاهدات إنسانية :::::: (اكثر جمالا .. تجربة ..)
--- قابلت عددا لا بأس به من عالم المدونين ... وجدت انهم جميعهم مختلفون .. منهم الهادئ الصامت والمتدين والمتحرر واللاديني والمتحمس والغاضب ..... ولكن الغريب حقا ... هو ان هناك امرا واحدا يجمع بينهم ... انهم كلهم طيبين جدا ...
شعرت براحة شديدة معهم .. كما لو اني اعرفهم من زمن ..
شعرت بانني افهمهم ويفهموني بسهولة .. وان قنوات التواصل لا تحتاج لمجهود ..
احساس جميل ان بين اشخاص تشعر بينهم بمثل هذه الراحة بل ويفهموك ويقبلوك ايضا ..
انا عادة لست بمثل هذه الراحة مع الغرباء ..ولكنهم لم يكونوا كذلك ابدا ..لم اشعر بذلك ابدا ..
فهم يشعرونك بالراحة والترحاب فور ان تتواصل معهم.
---------
وكانت تلك اولى التجارب والمحاولة البكر ..
تلك البلاد .. من الصعب ان تحبها .. ولكن حين تفعل تحبها بعمق ..
-----------------