Thursday, July 13, 2006

جدو وأميرة الساعات الطيبة



لطالما اردت ان اكتب عنها شيئا ولكني دائما كنت اؤجل الكلمات
بل كنت اتجنب في الكثير من الاحيان حتى ان افكر فيها او اذكر كلماتها
او اراجع تفاصيل وجهها الابيض في ذاكرتي
لطالما تجنبت الرحيل إلى العوالم التي ادخلتني إياها
كثيرا ما كنت اغلق ابواب ذاك العالم السحري الذي كانت تأخذني إليه
كلما جلست عند قدميها ..

ولكن جاء خبر وفاة جدو عبده (الذي كانت تحبه كثيرا) ليذكرني بها ..
كانت تتابعه بشغف وكان الوحيد القادر على اضحاكها
كنت ارغب في كتابة تدوينة عنه قبل أيام .. فقد شعرت ان جزءا كبيرا من طفولتي قد مات مع
جدو عبده .. ولكنني وجدت نفسي اكتب عنها


كانت امرأة عجوز جدا .. منذ اليوم الاول الذي عرفتها فيه
لم ارها شابة ابدا .. ولم يتبدل مظهرها ولم تتغير ملامحها
حتى صورة زفافها التي علقتها على ذاك الجدار القديم وهي تقف إلى جوار زوجها الذي يشبه فريد الاطرش كانت تبدو عجوزا


او هكذا كنت اراها ..
قصيرة القامة لا تتوقف عن الحركة ابدا رغم انحناء الظهر .
تحمل ابتسامة غريبة يمكنها ان تستحضرها في لحظات حتى اثناء بكاءها ان رجوتها ألا تبكي ..
كانت تضحك كالاطفال .. بصوت عال .. كانت لضحكتها رنة رشيقة كما لطفلة .. رغم سنواتها التي تخطت الثمانين
كنت دائما ارى منزلها الصغير الكائن في قلب العاصمة المكتظة اكثر الاماكن إثارة ومرحا في العالم .. كانت زيارتها مكافأتي الشهرية ان احسنت السلوك
كنا الصغار كثيرون نتجمع في منزلها العامر الصغير نجري ونلعب وتلعب معنا بل كانت تجري ايضا لبعض الوقت
ثم تعد لنا حلوى من ابتكارها لا يجيدها احد غيرها في العالم .. وتجلس في ابتسامة تشاهدنا ونحن نتناولها
ثم نتحلق تحت اقدامها ليبدأ السحر ... ولا تمر ثوان الا ونحن على ابواب اكوان اخرى تأخذنا إليها حكاياها
اذكر اني كنت اجلس هكذا امامها لساعات وساعات ,, لم اشعر ابدا بملل خلالها ..
كانت تفتح خزائن السحر لديها لتصحبنا على سحابة من ذاك الصوت المخملي الطفولي العفي
لم اسألها يوما من اين اتت بتلك القصص المدهشة .. تلك الاساطير التي تعبت كثيرا بحثا عنها في كل الكتب ولم اجدها


كطفلة كنت اعلم علم اليقين ان تلك القصص تحدث في بلاد بعيده .. لا تعرفها سوى جدتي فقط
وحينما خطت السنوات بقلم اليقين في صفحاتي البيضاء علمت انها لم تكن كذلك
بحثت كثيرا عن تلك القصص المدهشة .. تلك الاساطير .. ولم اجدها في كتاب ابدا ..
ولم اسألها ابدا من اين اتت بها ؟


وبالرغم من اني كنت اسمع بعض حكاياتها لعشرات المرات إلا انني لا ادري لماذا كنت استقبلها كل مرة بنفس الدهشة والترقب .. باختلاف السنوات والايام والحالات .. طفلة او صبية او شابة .. لا فرق نفس الدهشة
قرأت شكسبير ونيتشه وبالزاك ونجيب محفوظ وبرنارد شو وغيرهم .. إلا ان جدتي تظل هي افضل اديبة عرفتها في حياتي
----
كنت استمع لشريط قديم سجلته بصوتها لاحدى حكاياتها السحرية (الشربتلي) كنا سجلناه ونحن اطفال كنوع من الدعابة الا انني كنت كثير ما استمع اليه حينما لا اتمكن من الجلوس عند حافة قدميها ..
افعل هذا كثيرا هذه الايام
خاصة حينما تخاصمني أيامي وتضيق بي الدنيا ولا اتمكن من الركض إليها لاشكو لها كم اعتدت كطفلة
حيث تخبئني داخل طيات جلبابها الناعم وتمطئنني ان كل شيء سيكون حتما على مايرام وان لم يكن "وايه يعني .. طظ"


ثم تأتي اللحظة التي انتظرها بعدما اقول بلهفة "تيتا احكي لي حكاية" لم تتغير تلك الجملة منذ ان كنت في السادسة وربما قبل ذلك


في الواقع كانت هي اول شخص استقبلني في هذا العالم
كانت صاحبة اول لمسة إنسان لي حينما حملتني بين يديها
واليوم كثيرا قبل ان اغفو اخرج الشريط القديم واضعه في الجهاز في انتظار صوتها لاتمكن من النوم
كانت تأخذني لعوالم لطالما اردت معرفة الكثير عنها .. كانت اول من علمني كيف اقرأ .. وكانت اول من اثرى خيالي بكل التفاصيل
حيث كانت تحرص على وصف شخصياتها بكل دقة من الشكل والللون والطول حتى السيناريو الكامل والاصوات المختلفة ايضا ..
وحينما خرجت من رحم الطفولة كنت اعود دائما إليها حتى تأخذني إلي عالمها مرة اخرى
---------------------
لا ادري ان كانت هي السبب .. ولكني اكن ميلا قويا لكبار السن .. وافترض دائما ان تلك الخيوط الغائرة في الوجه تعني دائما الحب والحنان
افتقد تلك الايام وافتقدها جدا
وافتقد جدو عبده الذي مازلت وقد تعديت 26 عاما استمع إلى اغانيه ادندن معها
"كان فيه واد اسمه الشاطر عمرو وكمان كان فيه جدو بشنبات
في ميعاد الكل بأمر سي عمرو جدو يقعد يحيك حكايات "

4 comments:

abderrahman said...

ما أجمل أن يجد الإنسان ذكريات طيبة ليحكيها...
أهنئك يا بلوستون

ahmad said...

لا أساوي شعور في هذا العالم المقبض... بشعور أن هناك ابتسامة تباغتنا .. بينما نحن نتذكر وجوه و كلمات أناس عرفناهم يوما...

رحم الله مدبولي


كفاه كل هذا الصدق...



تحية ... سأتابع

Dina El Hawary (dido's) said...

Blue stone ..
اعتقد ان دي أول مرة اجي عندك .. بس كلامك عن فراق الأحباب بهذا الشكل .. موجع قوي
الجدات بجد ثروة لا تعوض
احييك على التعبير الرائع

Anonymous said...

تعبير راقي